سياسة

وثائق: هكذا نجت مصر من موجة «تطرف وتفجيرات» عشوائية عام 1994

في عام 1995، تعرض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

استغلت الجماعات الإسلامية الأوضاع الإقليمية والمحلية لتوسيع نشاطها، وتمكنت أجهزة الأمن من حسم المواجهة في وقت مبكر قبل تمدد الدعم الإيراني والسوداني. كما كانت محاولة اغتيال مبارك فاشلة ولكنها كانت مفصلية.

في هذه الحلقة من الوثائق، سنكشف عن محتوى أكثر من 100 وثيقة بريطانية تتحدث عن الأحداث الدموية التي شهدتها مصر في بداية عام 1992 واستمرت حتى عام 1994. تسلط هذه الوثائق الضوء على دور الجماعات الإسلامية في هذه الأحداث، التي استهدفت بشكل عشوائي المدنيين والبنوك والقطاع السياحي والتمثيل الدبلوماسي الأجنبي في مصر.

تعززت موقف الحركات الإسلامية التي شاركت في فترة “الجهاد الأفغاني” ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان بانسحاب قوات الاتحاد السوفياتي من البلاد عام 1989. وبعد ذلك، جاء انهيار الاتحاد السوفياتي في الـ 26 من ديسمبر (كانون الأول) 1991 ليعزز موقف هذه الحركات بشكل أكبر.

وجاء هذا التعزيز للخطاب الإسلامي، وخاصة الجهادي، قبل تراجع الخطاب القومي العروبي بسبب غزو العراق للكويت في أغسطس 1990.

وبعد ذلك، حدثت انقسامات فكرية في المنطقة العربية وتراجع للخطاب القومي واليساري السائد في ذلك الوقت. وهذا فتح الباب أمام التيارات الإسلامية الجهادية وزاد من قوتها وجعلها تحتل الأمامية، وخاصة جماعة “الإخوان المسلمين” التي استغلت الوضع في مصر والمنطقة لصالحها.

في ذلك الوقت أيضًا، ظهر تنظيم “القاعدة” كتنظيم جهادي يضم أفرادًا من مختلف الجنسيات. تأسس هذا التنظيم في بداية عقد 1990 خلال فترة الجهاد الأفغاني، واستخدم العنف كوسيلة لتحقيق أهدافه.

وثائق: هكذا نجت مصر من موجة «تطرف وتفجيرات» عشوائية عام 1994
بيان صادر عن الجماعة الإسلامية عن عملية استهداف فاشلة لموكب الرئيس المصري السابق حسني مبارك عام 1994

أصدرت الجماعة الإسلامية بيانًا يشير بوضوح إلى استهداف المدنيين بشكل عشوائي. وأقرت الجماعة بمهاجمة قطار سياحي كان يحمل مدنيين، وأشار البيان أيضًا إلى فشل محاولة استهداف موكب الرئيس المصري السابق حسني مبارك في عام 1994 (حسب الأرشيف البريطاني).

في الـ 27 من مارس (آذار) 2024، قامت وزارة الخارجية البريطانية بكشف الحجب عن مجموعة من التقارير السرية والرسائل الدبلوماسية المتعلقة بنشاط “الجماعات الإرهابية” في المنطقة العربية وبريطانيا وأوروبا الغربية خلال عام 1994.

ظاهرة الإرهاب في مصر ومحاولة اغتيال فاشلة للرئيس

يحتوي هذا الملف على أكثر من 100 وثيقة بريطانية تتناول الأحداث الدموية التي شهدتها مصر بداية من عام 1992 وحتى عام 1994. تسلط التقارير الدبلوماسية الضوء على دور الجماعات الإسلامية في هذه الأحداث، التي استهدفت بشكل عشوائي المدنيين والبنوك والقطاع السياحي والبعثات الدبلوماسية الأجنبية في مصر. تم تنفيذ تفجيرات واغتيالات عديدة أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا من المدنيين ومسؤولي الدولة المصرية. كما كانت هناك خطط لتنفيذ عملية إرهابية كبيرة ضد موكب الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في منتصف فبراير 1994، وتم اكتشاف هذه الخطة بشكل صدفي قبل تنفيذها من خلال اعتقال أحد المشاركين فيها من قبل السلطات الأمنية المصرية.

اتهمت السلطات المصرية في ذلك الوقت إيران والسودان بدعم الجماعات الإسلامية المتطرفة وتحريضها. ووفقًا للوثائق المتاحة، فإن عدد الضحايا خلال فترة الإرهاب والتفجيرات العشوائية التي اجتاحت مصر منذ بداية عام 1992 وحتى نهاية عام 1994 بلغ أكثر من 500 مدني وحوالي 345 من قوات الأمن و372 من الجماعات المتطرفة، بين قتيل وجريح.

وثائق: هكذا نجت مصر من موجة «تطرف وتفجيرات» عشوائية عام 1994
واحدة من أشهر محاولات الاغتيال التي تعرض لها مبارك كانت عام 1995 في أديس أبابا

تعرض الرئيس المصري الراحل حسني مبارك لمحاولات اغتيال فاشلة بين عامي 1993 و1995. في عام 1993، خططت “الجماعة الإسلامية” لاغتياله أثناء زيارته ليبيا براً. كانت الخطة تتضمن زرع متفجرات في الطريق الذي سيمر به موكبه عند مدينة سيدي براني. قاد المحاولة ضابط جيش احتياطي يُدعى مدحت الطحاوي. تم الكشف عن العملية واعترف الضابط بتفاصيلها، وأرشد إلى مكان وجود المتفجرات في شقة بمدينة مرسى مطروح.

في عام 1994، قامت مجموعة تسمي نفسها “مجموعة الجهاد” بتخطيط وتنفيذ عملية تعرف بـ “كوبري الفردوس”. تضمنت الخطة استخدام نفق تحت كوبري الفردوس على طريق صلاح سالم شرق القاهرة، الذي كان يستخدمه الرئيس مبارك، لتفخيخ موكبه وتفجيره. كما تم وضع سيناريو آخر في حال فشل تفجير الموكب في النفق، حيث يمكن تفجيره عند وصوله إلى منطقة القلعة باستخدام سيارة ملغمة.

في عام 1995، تعرض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أثناء حضوره للقمة الأفريقية. حيث استهدفت عناصر مسلحة موكب الرئيس، ولكن رجال الأمن المصريين تمكنوا من إحباط المحاولة وقنص المهاجمين. ونتيجة لذلك، تم إعادة الرئيس مبارك إلى المطار ومنها إلى القاهرة، وتم إلغاء حضوره للقمة الأفريقية.

هل التيار الإسلامي هو محرض أم وريث لمبارك؟

بعنوان “التيار الإسلامي: محرض أم وريث لمبارك؟”، يقسم التقرير البريطاني التيار الإسلامي في مصر إلى جناحين، الأول يتبنى العنف علانية مثل “الجماعة الإسلامية” و”حركة الجهاد”، والثاني هو جماعة “الإخوان المسلمين” التي كانت ترفض العنف موقتاً.

ويشير التقرير إلى أن الحكومة المصرية نجحت في السيطرة على الجناح الأول وتقليص نشاطه، لكن التعامل مع الجناح الثاني، أي “الإخوان المسلمين”، يبقى أمراً صعباً.

وثائق: هكذا نجت مصر من موجة «تطرف وتفجيرات» عشوائية عام 1994
الرئيس الراحل حسني مبارك تعرض لأكثر من محاولة اغتيال فاشلة

ويشير التقرير البريطاني إلى أنه خلال العام الماضي تم نشر تقارير مفصلة حول التوتر بين الحكومة المصرية والمتطرفين الإسلاميين. كما تم مراقبة تأثير جماعة “الإخوان المسلمين”، التي تعتبر الجناح المعتدل في التيار الإسلامي. ويتفق معظم المراقبين الآن على أن الحكومة المصرية لديها اليد العليا، على الأقل في الوقت الحالي، في مواجهتها للمتطرفين العنيفين. وفي الأشهر الأخيرة، استغلت الحكومة الوضع الأمني المتحسن للتصدي لجماعة “الإخوان المسلمين”. ويحذر التقرير من أن وصول نظام إسلامي متطرف إلى السلطة في الجزائر، أو توسع نفوذ الجماعات الإسلامية في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، مثل الأراضي الفلسطينية المحتلة واليمن، سيؤثر بشكل كبير على التوازن في المنطقة.

ويشير التقرير إلى وجود جناحين في الحركة الإسلامية في مصر، الأول يعتمد على استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهدافه، بينما الثاني يرفض استخدام العنف كوسيلة سياسية مشروعة حالياً. يتكون الجناح الأول بشكل رئيسي من “الجماعة الإسلامية” و “حركة الجهاد” بما في ذلك فرعها “طليعة الفتح”، بينما يهيمن “الإخوان المسلمون” على الجناح الثاني. ورغم وجود اختلافات أيديولوجية بينهما، إلا أن أهدافهما تتقارب في إقامة دولة إسلامية تحت حكم الشريعة. يشير المراقبون إلى عدم وجود روابط تنظيمية واضحة بين الجناحين، على الرغم من وجود تداخل في العضوية. في حين تدعي الحكومة المصرية وجود روابط تنظيمية بينهما، إلا أنها لم تقدم أي دليل حتى الآن.

التحالف بين الجماعات الإسلامية والدعم السوداني الإيراني

توضح التقرير أن “الجدول المرفق لحوادث العنف يعكس شدة المواجهة بين الجماعات الإسلامية العنيفة والقوات الأمنية المصرية. وعلى الرغم من أننا شهدنا العام الماضي العديد من الحوادث الإرهابية، إلا أن بعض المراقبين كانوا يتجاهلون حقيقة أن هذه الجماعات لم تكن تشكل تهديداً حقيقياً لاستقرار مصر، وكانت نسبة الداعمين لهذه المجموعات قليلة دائماً. وكانت الأشخاص الذين يرغبون في المشاركة في أعمال العنف أقل بكثير”.

وأشار التقرير إلى أن عدد أعضاء “الحركة الإسلامية” وصل إلى ذروته في أسيوط بـ 10 آلاف عضو نشط، وبين 2000 و3 آلاف في المنيا وسوهاج. ورغم أن الأعضاء خارج هذه المناطق كانوا أقل، إلا أن هناك أدلة تشير إلى أن المسلحين يبحثون عن ملاذات جديدة للهروب من الحملات الأمنية. ويُعتقد أن “الجهاد” تركز على تجنيد الأعضاء المثقفين، بما في ذلك بعض من القوات المسلحة، حيث كان قتلة السادات ينتمون إلى الجيش. وتقارير أخرى تشير إلى أن عدداً قليلاً من ضباط الجيش، ومعظمهم من جنود الاحتياط، أصبحوا أعضاء نشطين في الخلايا الجهادية”.

ويضيف، “حتى في السابق، كانت الجماعات المتطرفة قادرة على العمل في بيئة غير معادية لها بشكل واضح. وقد شاهد العديد من المصريين الصراع الدموي بين الحكومة والمتطرفين كمراقبين سلبيين، غير راغبين في التدخل مع أي من الجانبين. ومع ذلك، بدأت سلسلة من التفجيرات العشوائية في أوائل عام 1993 تثير الرعب بين المصريين العاديين حقًا. ونتيجة لذلك، زاد استعدادهم للتعاون مع قوات الأمن. واعتمدت الحكومة هذه المبادرة، وخاصة في وسائل الإعلام. وقد أدت المسلسلات التلفزيونية التي تهدف إلى كشف أكاذيب المتطرفين واعترافات الإرهابيين التائبين إلى تقويض مصداقية الجماعات المتطرفة وشعبيتها”، مشيرًا إلى أن “قلة من ينكرون أن الميزان قد مال لصالح الحكومة”.

وثائق: هكذا نجت مصر من موجة «تطرف وتفجيرات» عشوائية عام 1994
تهديد غامض لمختلف فئات المجتمع المصري والسفراء العرب والأجانب
رسالة تهديد وابتزاز بطابع طفولي

في ذلك الوقت، تم سرد حادثة أخرى في التقارير البريطانية تتعلق بـ “رسالة ابتزاز وتهديد جهادية”. وفي الرابع من يناير 1994، وصلت رسالة بالبريد المحلي العادي إلى السفير البريطاني في القاهرة، وادعت أنها من “لجنة منظمة الجهاد الإسلامي لاستعادة الحقوق: الخط الأحمر”.

وفقًا للتقرير البريطاني، تم توجيه الرسالة إلى سفراء الأردن والسودان والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وليبيا، وكذلك رؤساء تحرير خمس صحف مصرية وثلاثة بنوك مصرية. تطالب الرسالة هذه الجهات بالضغط على الحكومة المصرية لتقديم تعويضات للمصريين المتضررين من حرب الخليج، وتدعو إلى نشر الرسالة في الصحف. إذا لم تتم استجابة المطالب بالكامل بحلول يناير 1994، فسيتم استهداف هذه الجهات وعائلاتهم ومصالحهم.

ويوضح التقرير أن زملاءنا الأمريكيين والفرنسيين لم يتلقوا نسخًا من الرسالة بعد، ولم تنشر في الصحافة المحلية. لم نسمع أبدًا عن وجود هذه اللجنة، ويبدو أن الهدف من استخدام خط اليد الطفولي في الرسالة هو إخفاء هوية المرسل. تحتوي النصوص القرآنية المستخدمة على أخطاء، وهناك أيضًا أخطاء نحوية. يبدو أن الرسالة تم نسخها على ورق كربوني.

ويضيف التقرير أننا قدمنا الرسالة الأصلية إلى أمن الدولة، وأخبرونا أنهم لم يسمعوا أبدًا عن هذه اللجنة. على الرغم من الاستياء الواسع من عدم وجود تعويضات للمصريين بسبب حرب الخليج، إلا أنهم يعتبرون الرسالة خدعة.