كلب العمدة مات
كتب: هيثم نور الدين
في سرادق العزاء يقوم أهالي القرية بالتجمع حول كبيرهم لتغليف مشاعر الحزن العميقة بسبب رحيل الغالي، الذي كان لا يعدو أن يكون مجرد “كلب العمدة”، على الرغم من أن المرؤوس لا يهتم بمن غادر؛ حيث يمكنه بسهولة استبدال الكلب بآخر بعشرة، ولكن المتوفى لم يكن وفياً لصاحبه، إذ يقوم الأثرياء بعض المُدَرَّبين على عض اليد التي تمتد لهم، وبالمقابل، يمنح كلب أحد الأهالي القرية الذي يعرف قيمة الوفاء أطنانًا منه، إذ قام بالاختيار دون الاعتماد على لقب عمدة، فيتبادلان الوفاء بالحب والإخلاص.
عاش كلب العمدة حياة مستريحة وتوفي بدون أي أسف. خلال مسيرته الحياتية، لم يخطر في باله أبدًا مفهوم الولاء، إذ بنى علاقته فقط على المصلحة مع صاحبه، العمدة الذي لم يبك على رحيله، إذ كان يعلم أن الولاء ليس في خيال صاحبه.
الأشخاص المفجوعون يعتقدون أن جميع الكلاب هي وفية، ويصورون علاقة غير حقيقية مبنية على أسس غير سلمية، ولكن في الواقع الظاهر ليس كذلك، والأصول لا يمكن شراؤها أو بيعها، بل تبقى أحد المسلمات الأساسية التي يخلقها الكائن الحي الذي ينبض قلبه كل يوم بدقات تشير إلى استمرارية الحياة لأولئك الذين يحافظون عليها، وليس لأولئك الذين يتجاوزون ويسيئون معاملتها في أوقات الترفيه، ويندبونها في أوقات الوهن.
العلاقات الاجتماعية في زماننا أصبحت دون المستوى المأمول في العلاقة بين الإنسان والكلب، وذلك بسبب نقص الشجاعة الأدبية التي تؤهل أحد الأطراف لإظهار بعض صفات الحيوان الذي يحافظ على الود ويهتم بلحظات العشرة والمودة. وهذا يجعله يُصف بصفات لا تُقارَب صفات الإنسان المفترض أن تتفوق على درجة الإنسانية، أو حتى الكلب الذي لديه الصفة الأهم وهي الوفاء.