سياسة

بقايا الجثث.. سكان غزة يتمسكون بـ”البرهان الأخير”

كتب: سعيد شريف

“فقدت أخي قبل أكثر من عام وما زلت أجهل مصيره، ولم أتوقف لحظة واحدة عن البحث عنه” بهذه الكلمات بدأت هالة أبو ختلة رواية مأساة فقدان شقيقها التوأم محمود الذي اختفى خلال محاولته العودة من وسط قطاع غزة إلى شماله سيرا على الأقدام مرورا بحاجز نتساريم أثناء الحرب على غزة.

ومؤخرا كشف انسحاب الجيش الإسرائيلي من المحور عن عشرات الجثث مجهولة الهوية التي كانت جميعها متحللة وتحولت إلى هياكل عظمية لأشخاص قتلوا في ظروف غامضة مما أعاد الأمل إلى هالة في معرفة مصير شقيقها محمود.

وفي حديثها قالت هالة: “عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم، انطلقت سيرا على الأقدام بحثا عن أي دليل يقودني إلى مصير شقيقي محمود” مشيرة إلى أنها واجهت خلال بحثها العديد من الجثث المجهولة والهياكل العظمية.

أوضحت أنها على الرغم من صعوبة الطريق والتحديات الكبيرة والدمار الواسع الذي لحق بالمنازل والمناطق في محور نتساريم كانت مصممة على معرفة مصير شقيقها سواء كان قد قتل برصاص الجيش الإسرائيلي أو تم أسره.

وأضافت: “لم أتوقف عن البحث عن مصير شقيقي منذ أكثر من عام وقد أبلغت المؤسسات الحقوقية الدولية بأن إسرائيل لا تحتفظ به في سجونها” مشددة على أن إسرائيل هي الجهة الوحيدة التي تعرف مصيره.

وتابعت: “كنت أبحث في نتساريم عن أي أثر من ملابسه أو هويته الشخصية أو عظامه إذا كان من ضحايا الحرب في غزة لكنني لم أجد شيئا وظل مصير شقيقي محمود مجهولا” معبرة عن أملها في الحصول على أي معلومات عنه.

أوراق وملابس

وفي هذا السياق أفاد خالد أبو هربيد بأنه “عثر على رفات نجله سعيد في نتساريم بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي” مشيرا إلى أنه تعرف عليه من خلال ملابسه الشخصية التي كانت بالية وبعض الأوراق الثبوتية التي وجدت بجوار الجثمان.

وأوضح أبو هربيد أن عملية البحث لم تكن سهلة لكنه يشعر بالرضا لأنه تمكن من معرفة مصير نجله ودفنه بالشكل الذي يليق به كما أشار إلى أن العديد من العائلات كانت تبحث معه عن مصير أبنائها.

وأضاف: “لم أذق طعم الراحة منذ أن فقدت الاتصال بابني سعيد ورغم الألم الذي يعتصرني بسبب فراقه إلا أنني اليوم أعرف مصيره ولن أضيع سنوات طويلة في انتظار عودته في يوم من الأيام” مؤكدا أن أصعب ما في الأمر هو عدم معرفة مصير ابنائه.

فصل جديد من المعاناة

في فصل جديد من المعاناة لم تتمكن سهى أبو هاني من معرفة مصير والدها الذي فقدت أثره بعد أن قرر النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه وأشارت إلى أنها وأشقائها الخمسة تنقلوا بين مختلف المناطق في نتساريم بحثا عنه لكن دون جدوى.

وقالت أبو هاني: “قدمت طلبات متكررة للمؤسسات الدولية والمحلية للكشف عن مصير والدي لكن جهودي لم تؤت ثمارها” وأكدت على أهمية أن تكشف إسرائيل عن مصير الآلاف من سكان غزة.

وأضافت: “محور نتساريم ابتلع الآلاف من السكان وقد قتل معظمهم على يد قوات الجيش الإسرائيلي مما يدل على أن الأجهزة الأمنية والعسكرية في إسرائيل تعرف مصير أبنائنا المفقودين لكنها ترغب في أن نعيش في عذاب وألم دائم”.

آلاف المفقودين

وفقا للإحصاءات الرسمية الفلسطينية أدت الحرب إلى فقدان حوالي 14 ألف فلسطيني ولا يزال مصيرهم مجهولا حتى الآن ولم تكشف السلطات الإسرائيلية عن مصير أي منهم رغم الطلبات المتكررة من الصليب الأحمر والمنظمات الدولية.

وأشار رائد النمس الناطق باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية إلى أن “فرق الجمعية الطبية قامت بانتشال عشرات الجثامين المتحللة والهياكل العظمية من منطقة محور نتساريم” مؤكدا أن عمليات البحث لا تزال مستمرة في هذا السياق.

وأضاف النمس في حديثه أن “الإمكانيات المحدودة التي تمتلكها الطواقم الفلسطينية تعيق الوصول إلى جثامين الضحايا” مشيرا إلى أن بعض الضحايا لم يتبق منهم سوى مقتنياتهم الشخصية التي يمكن لعائلاتهم التعرف عليها.

وأضاف “نستمر في البحث عن الجثامين والعظام لكن التعرف عليها يظل تحديا كبيرا بسبب نقص الإمكانيات وغياب المختبرات المتخصصة خصوصا فيما يتعلق بتحليل الحمض النووي” وأشار إلى أن هناك آلاف المناشدات التي تصل إلى الهلال الأحمر للكشف عن المفقودين.

وأوضح النمس أن “هذا الملف سيكون من أصعب الملفات المتعلقة بالحرب وسيتطلب سنوات طويلة للوصول إلى حلول بشأنه” وشدد على أهمية وجود مختبرات وجهات متخصصة لمتابعة هذا الملف بالإضافة إلى الضغط على إسرائيل للكشف عن مصير آلاف المفقودين.