الذكاء الاصطناعي في الترجمة “أداة دعم وليس بديل”
كتب: سعيد شريف
شهد العالم في السنوات الأخيرة تقدم ملحوظ في مجال الذكاء الاصطناعي مما أحدث ثورة في العديد من الصناعات والمجالات.
ومن بين هذه المجالات برزت برامج الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي كأدوات تهدف إلى تقديم حلول سريعة ودقيقة لترجمة النصوص بين اللغات المختلفة.
ورغم هذه الثورة التكنولوجية لا تزال هناك تساؤلات حول قدرة الذكاء الاصطناعي على استبدال العنصر البشري في مهنة الترجمة خاصة مع الحديث المتزايد عن إمكانية أن تحل هذه البرامج محل المترجمين البشر.
في هذا الإطار يسلط أستاذ ومنسق برنامج الترجمة التخصصية باللغة الإنجليزية في كلية الأداب بجامعة القاهرة خالد توفيق الضوء على تزايد الجدل حول مستقبل مهنة الترجمة في ظل التقدم الذي يشهده الذكاء الاصطناعي.
وعلى الرغم من أن هذه البرامج قد تبدو قادرة على تقديم حلول سريعة وفعالة إلا أن توفيق يؤكد أن هذه الأنظمة لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تحل محل المترجم البشري.
ويعود ذلك إلى أن مهنة الترجمة تتطلب إحساس لغوي عميق يتعلق بالسياق الثقافي والعاطفي للنصوص وهو ما لا تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعي تحقيقه.
المترجم البشري يتفوق على الذكاء الاصطناعي في فهم السياقات الثقافية
يعتبر عدم قدرة الذكاء الاصطناعي على استيعاب السياقات الثقافية المختلفة من أكبر التحديات التي تواجهه في مجال الترجمة.
فالمترجم البشري لا يقتصر على ترجمة الكلمات فقط بل يتناول أيضا المعاني والسياقات التي تحملها هذه الكلمات في ثقافة معينة.
على سبيل المثال قد تحمل الكلمة الواحدة في لغة معينة معان متعددة تعتمد على السياق وهو ما يعجز الذكاء الاصطناعي عن فهمه أو تفسيره بدقة.
يتضح هذا الأمر بشكل خاص عند ترجمة النصوص الأدبية التي تحتوي على استعارات وتشبيهات وصور خيالية وهي عناصر يصعب على الألات التقاطها بنفس الطريقة التي يفعلها الإنسان.
رغم أن برامج الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي قد تتمكن من تقديم ترجمة حرفية إلا أن ذلك لا يكون كافي في كثير من الأحيان فالكثير من الكلمات والتعبيرات قد تتغير معانيها وفقا للسياق الذي تستخدم فيه مما يجعل الترجمة الألية غالبا ما تكون مخيبة للأمال.
يشير توفيق إلى أن نتائج برامج الترجمة الألية غالبا ما تكون ترجمة حرفية مما يؤدي إلى فقدان المعنى الدقيق للنص خاصة في الترجمة الأدبية التي تتطلب مرونة وابتكار.
أخطاء فادحة في الترجمة الألية
يستعرض محمد عيد مترجم ومعد برامج تلفزيونية بعض الأخطاء الفادحة التي قد تقع فيها برامج الذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة.
وفي حديثه شارك عيد تجربة شخصية حدثت له أثناء ترجمته لمشهد من مسلسل عربي حيث قالت البطلة في أحد المشاهد: “أموت فيه” تعبيرا عن شدة حبها لشخص ما لكن ترجمة هذه العبارة عبر برامج الذكاء الاصطناعي إلى الإنجليزية أدت إلى تغيير المعنى بشكل كامل مما جعل الترجمة بعيدة عن المعنى الأصلي.
وهذا يبرز بوضوح عدم قدرة الذكاء الاصطناعي على فهم المشاعر الإنسانية الدقيقة أو المعاني الخفية وراء التعبيرات الشائعة في بعض اللغات.
وذكر عيد موقفا أخر حدث له عندما استخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل مباراة كرة قدم فقد قام بكتابة أسماء الفريقين لكن النتيجة كانت كارثية حيث قدم البرنامج تحليلا لمباراة سابقة بين الفريقين في حين أن المباراة التي كان يبحث عنها لم تلعب بعد.
الذكاء الاصطناعي كمساعد للمترجمين البشريين
على الرغم من التحديات التي تواجهها يرى توفيق أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعتبر أداة مساعدة للمترجمين البشريين تماما كما هو الحال مع الأدوات الأخرى في مجالات متنوعة.
ففي مجال العمليات الجراحية توجد روبوتات قادرة على تنفيذ بعض الإجراءات لكنها لا تستطيع استبدال الجراح البشري الذي يمتلك الخبرة والقدرة على اتخاذ القرارات السريعة والضرورية في مواقف معينة.
وبالمثل يمكن للذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة أن يعزز إنتاجية المترجمين لكنه لا يمكن أن يعوضهم عن الفهم العميق والمعقد للنصوص.
ويشير توفيق في حديثه إلى أن دور المترجمين قد يقتصر في المستقبل على إدخال النصوص في برامج الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ثم مراجعة هذه الترجمات وتعديلها.
ومع ذلك حتى في هذا السياق لا يمكن الاعتماد على هذه البرامج في مجالات الترجمة التي تتطلب دقة لغوية خاصة مثل الترجمة الأدبية والدينية والقانونية.
التكنولوجيا لا يمكن أن تعوض الفهم البشري
يؤكد عمرو حسن فتوح أستاذ تكنولوجيا المعلومات ومدير وحدة المكتبة الرقمية والانتحال العلمي بجامعة الوادي الجديد أن برامج الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ظهرت لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي.
ومع التقدم السريع في هذه التقنية أصبحت هذه البرامج شائعة في مجالات مثل الأعمال والتجارة والسياحة والتعليم ومع ذلك لا يمكن لهذه البرامج أن تحل محل المترجم البشري خصوصا في الترجمة الدقيقة التي تتطلب فهم عميق للسياق الثقافي والفروق اللغوية بين اللغات.
ويشير فتوح في حديثه إلى أن برامج الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى القدرة على إدراك الفروقات الثقافية والتعبيرات الاصطلاحية التي تحمل معاني مختلفة في سياقات متنوعة.
حيث أنها لا تستطيع فهم المصطلحات المتخصصة في المجالات الطبية أو القانونية أو الأدبية والتي تتطلب دقة عالية وخبرة متعمقة.