حادث قطار الزقازيق.. وفاة 3 بنات من أسرة واحدة
دقيقة واحدة فقط، اهتز قلب “عزة” وارتجف جسدها من شدة الخوف. 60 ثانية عصيبة تجمعت فيها آلام الأم “عزة” مع مآسي بناتها “هبة” و”شيماء”، بالإضافة إلى حفيدتها “وعد”، الذين فقدوا حياتهم على حافة مزلقان الكوبري الجديد، إثر تصادم “قطاري الزقازيق” أمام بلوك 5 في محطة الزقازيق. فما الذي حدث لعائلة “الحاجة عزة” في مزلقان الموت؟
داخل منزل ضيق في منطقة الإمام الشافعي بالزقازيق، كانت الحاجة “عزة” قد أعدت وجبة الغداء لبنتيها. حينها، أصرت “شيماء” وشقيقتها “هبة” على العودة إلى منزلهن بعد انتهاء زيارتهن لعائلتهن. انطلقت الأختان مع الأطفال في طريقهن إلى التل الكبير على متن قطار الزقازيق ـ الإسماعيلية، وودعت الأم بناتها وكأنها تشعر أن هذه ستكون آخر مرة تراهما فيها، حيث قالت لهما: “قولت لهم يقعدوا معايا يتغدوا بس رفضوا”.
قبل غروب الشمس، تلقت الأم، التي اقتربت من عامها الخمسين، الخبر المفجع بأن القطار الذي استقلته ابنتاها قد تصادم مع قطار آخر أمام الكوبري الجديد، الذي لا يبعد عن منزلها سوى دقائق. تقول: “لقيت واحد جايلي من المحطة جايب بنت بنتي وهي غارقة في دمها، وبيقولي إن البنات كلهم ماتوا”.
بهمة وعزيمة، وصلت “عزة” إلى موقع الحادث، وترجلت بين عربات القطار التي اختلطت كراسيها بأجساد الركاب، تبحث عن بناتها.
داخل باحة مستشفى الزقازيق الجامعي، كانت الأجواء مشحونة بالتوتر والارتباك. هرعت “عزة” إلى غرفة الطوارئ، تبحث بقلق عن ابنتيها “شيماء” و”وهبة”. وقفت أمام غرفة العناية المركزة، حيث انتابتها الحيرة والقلق، وكانت ملامح وجهها تعكس خوفها. استغرقت رحلة بحث “عزة” نحو 30 دقيقة بين أروقة المستشفى، حتى نصحها أحد الأطباء بالتوجه إلى مستشفى الأحرار، قائلاً: “المصابين هنا وهناك.. قد تجدين ما تبحثين عنه”.
انطلقت “عزة” نحو مستشفى الأحرار، الذي لم يكن بعيدًا عن مستشفى جامعة الزقازيق، على أمل أن تجد ابنتيها سالمتين. وعندما دخلت إلى ممرات المستشفى الواسعة، كان الوضع مضطربًا بفعل ضجيج الأهالي وأنين المرضى. حاولت البحث، لكن كلما ذهبت إلى مستشفى، كانوا يخبرونها بعدم وجود أحد من عائلتها. عادت الأم تضرب كفيها، دون أن تعثر على أي أثر لهما، وقررت العودة مرة أخرى، عسى أن يكونتا قد تم نقلهما إلى مستشفى آخر.
في بهو المشرحة، حيث كانت العشرات من الجثامين، لم تستطع “عزة” تحمل الصدمة عندما أخبروها أن ابنتيها “شيماء” و”وهبة” من بين الضحايا. كان الخبر كالصاعقة، حيث انهارت الأم، تندب حظها بعد أن فقدت كل من تحب: “أولادي ميتين، وابوهم، ولم يتبق لي أحد”.
في مستشفى جامعة الزقازيق، تفاقم الوضع بسبب تزايد أعداد المصابين، مما استدعى الحاجة إلى جمع متبرعين بالدم من جميع الفصائل. أمام مبنى العيادات الخارجية، كانت أعداد المتبرعين في تزايد مستمر، حيث اصطف الناس في طوابير للتبرع بالدم للمصابين. لقد كانت مشهدًا إنسانيًا يعكس جهود الأهالي الذاتية في مواجهة الأزمة قبل أن تتفاقم الأمور.
في الساعة الثامنة مساءً، وعندما سمع العم “رجب” عن حادث تصادم قطارين في قريته، rushed إلى موقع الحادث من منزله الواقع على أطراف قرية وادي النيل. هذا الرجل البالغ من العمر ستين عامًا ارتدى “كشافًا” على رأسه لمساعدة الأهالي وفرق الإنقاذ من الدفاع المدني في إخراج الناجين من بين حطام القطار. وفي بث مباشر عبر “مصراوي”، قال العم إنه عند وصوله إلى موقع الحادث، رأى العديد من الركاب ملقين على الأرض: “كان هناك الكثير من الناس على الأرض”.
بين حطام “قطاري الزقازيق”، نجت “فاطمة” من الموت بأعجوبة بعد أن حُشرت جسدها بين الكراسي. قالت: “شعرت أن القطار يهتز والدخان يملأ المكان والناس يركضون ويصرخون”. لم تجد الراكبة مفرًا من النجاة سوى القفز من القطار، مما أدى إلى إصابتها بخلع في الكوع.
لم تدرك “فاطمة” ما حدث إلا عندما استيقظت على سرير الطوارئ بعد أن نقلتها سيارة الإسعاف إلى المستشفى.
تروي “شيرين نصحي” قصتها داخل قطار الآلام، حيث تسترجع الناجية ذكرياتها عن الحادث الذي وقع على السكة الحديد. فقد توقف القطار الذي استقلته “شيرين” من محطة الزقازيق فجأة لمدة لا تقل عن ربع ساعة، قبل أن يتعالى الصراخ داخل العربات بعد تصادم قطاري الإسماعيلية والمنصورة أمام الكوبري الجديد، مما جعلها تقفز من الباب خوفًا من أن يشتعل القطار.
في مشهد مؤثر، ودع أهالي الزقازيق جثامين ثلاثة من ضحايا حادث القطار إلى مثواهم الأخير، بعد أن سمحت النيابة العامة في الشرقية بدفن “هبة” و”وعد” و”شيماء” من عائلة الحاجة “عزة”، عقب إجراء الفحوصات الطبية لتحديد أسباب الوفاة وكشف ملابسات الحادث وإعداد تقرير شامل عن الحالات.
الحادث المأساوي الذي وقع في محطة الزقازيق كان نتيجة تصادم بين قطار الركاب (281) المتجه من الزقازيق إلى الإسماعيلية وقطار الركاب (336) المتجه من المنصورة إلى الزقازيق. أسفر الحادث عن وفاة أربعة أشخاص، ثلاثة منهم من عائلة واحدة وواحد مسن، بالإضافة إلى إصابة 49 آخرين. وقد تماثل 30 مصابًا للشفاء في مستشفيات جامعة الزقازيق والأحرار، وفقًا لما أكدت وزارة الصحة في بيان رسمي، حيث كانت حالة 44 من المصابين مستقرة، بينما كانت خمس حالات أخرى غير مستقرة.
توجيهات حكومية عاجلة بشأن حادث تصادم قطاري الزقازيق، حيث قررت وزيرة التضامن الاجتماعي، الدكتورة مايا مرسي، صرف تعويض مالي قدره 100 ألف جنيه لكل أسرة من أسر ضحايا الحادث. كما كلف الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، مجمعة التأمين ضد أخطار حوادث السكك الحديدية والمترو والطرق السريعة، بصرف تعويضات للضحايا والمصابين، حيث تم استثنائياً زيادة المبلغ المخصص لأسر الضحايا إلى 50 ألف جنيه بدلاً من 30 ألف جنيه.
من جهته، أصدر النائب العام المستشار محمد شوقي بياناً رسمياً بتشكيل فريق تحقيق يتكون من المستشار المحامي العام الأول لنيابة جنوب الزقازيق الكلية ورؤساء نيابة استئناف المنصورة ووكلاء نيابة جنوب الزقازيق الكلية، للبدء في إجراءات التحقيق في حادث تصادم قطاري الزقازيق. وقد قام أعضاء الفريق المكلف بمعاينة موقع الحادث، وتم إصدار أمر برفع آثار الحادث لاستئناف حركة القطارات. كما تم تشكيل فريق آخر لمعاينة جثامين المتوفين وإصدار تصاريح الدفن، بينما يجري حالياً استجواب المصابين واستكمال إجراءات التحقيق.