سياسة

تحولات استراتيجية: حزب الله بين التصعيد والحوار

كتب: سعيد شريف

يبدو أن محور المقاومة في لبنان الذي يتزعمه حزب الله يشهد في الآونة الأخيرة تغييرات استراتيجية كبيرة نتيجة المتغيرات الإقليمية والدولية.

بين استمرار الضغوط العسكرية والاقتصادية والعودة إلى خيارات سياسية أكثر براغماتية يواجه الحزب تحديات جديدة قد تؤثر على دوره داخل لبنان وعلى الساحة الإقليمية.

ويعكس التصريح الأخير للأمين العام لحزب الله نعيم قاسم تحولا مهما في موقف الحزب مما يثير تساؤلات حول مستقبله في محور المقاومة.

مرحلة جديدة في استراتيجية حزب الله

في تصريح غير تقليدي أعلن نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله أن الحزب قد “أنجز ما يمكن إنجازه” في مواجهة إسرائيل وأن الدور الآن بات على عاتق الدولة اللبنانية لتولي زمام الأمور.

هذا التغيير في الخطاب يشير إلى تحول استراتيجي بالغ الأهمية في نهج الحزب الذي كان يعتمد بشكل أساسي على استراتيجيات المقاومة المسلحة.

وعلى الرغم من أن حزب الله ظل على مدى العقدين الماضيين أحد أبرز اللاعبين العسكريين في المنطقة فإن التصريح يعكس أيضا تحولا في الأولويات في ظل الظروف الإقليمية والدولية المعقدة.

ففي الوقت الذي كان فيه الحزب يراهن على قوته العسكرية يبدو أنه يتجه نحو إعادة تقييم استراتيجياته.

الضغوط الدولية وتأثير السياسة الأمريكية

يعتقد الخبير في العلاقات الدولية مهند العزاوي في حديثه أن حزب الله يواجه تحديات كبيرة في ظل القرار الدولي الرامي إلى إنهاء العسكرة في منطقة الشرق الأوسط.

ويشير العزاوي إلى أن التغيرات الحاصلة على الساحة الدولية وخاصة السياسة الأمريكية التي تركز على فرض السلام بالقوة قد وضعت الحزب في “منطقة محاصرة” عسكريا.

بينما كان حزب الله يعتمد في السابق على القوة العسكرية كوسيلة رئيسية لمواجهة إسرائيل أصبحت الخيارات العسكرية الآن أكثر تكلفة من الناحيتين العسكرية والسياسية.

الضغوط الأمريكية التي تستهدف محاربة الميليشيات المسلحة في المنطقة تعيق استفادة الحزب من الدعم العسكري الذي كان يحصل عليه سابقا مما يجبره على إعادة تقييم استراتيجيته العسكرية.

إيران وحزب الله: شراكة استراتيجية في ظل المتغيرات

لا يمكن مناقشة محور المقاومة في لبنان دون الإشارة إلى الدور الحيوي الذي تلعبه إيران في دعم حزب الله.

يؤكد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الإيرانية مصدق بور أن إيران كانت دائما جزءا أساسيا من هذا المحور مشيرا إلى أن الثورة الإسلامية الإيرانية انطلقت في إطار دعم القضية الفلسطينية ومع ذلك فإن العلاقات بين إيران وحزب الله تشهد تغييرات ملحوظة نتيجة الضغوط الدولية.

وعلى الرغم من أن الدعم الإيراني لا يزال يمثل الأساس لقدرة حزب الله على التوسع العسكري وتعزيز نفوذه الإقليمي فإن الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها إيران بالإضافة إلى التغيرات في السياسة الأمريكية دفعت الحزب إلى اتخاذ مواقف أكثر حذرا في صراعاته مع إسرائيل.

يمكن أن يكون لهذا التحول تأثيرات عميقة على استراتيجية الحزب في المستقبل القريب.

الانتقادات الداخلية

في هذا السياق أطلق الكاتب والمفكر السياسي رضوان السيد انتقادات شديدة لحزب الله مشيرا إلى أن دور الحزب لم يقتصر على مواجهة إسرائيل فحسب بل امتد ليشمل تأثيرا كبيرا في النزاعات الداخلية في كل من لبنان وسوريا.

ورأى السيد أن الحزب بدعم من إيران ساهم في مقتل مئات الآلاف من السوريين واحتلال أراض في كل من سوريا ولبنان.

تسلط هذه المواقف الضوء على أزمة سياسية داخلية في لبنان حيث تزايدت الانتقادات لحزب الله بسبب تورطه في الصراعات الإقليمية التي تضر بمصالح البلاد.

في هذا الإطار يطرح العديد من المحللين تساؤلات حول مدى التزام حزب الله بمبادئ “المقاومة” في ظل انخراطه في الأزمات الداخلية والإقليمية.

فهل سيظل الحزب يمثل القوة المقاومة ضد إسرائيل أم أن مصالحه الإقليمية والسياسية قد تدفعه للتخلي عن هذه المبادئ؟

البراغماتية تبرز كخيار أساسي

في تحليل لأسلوب حزب الله في الآونة الأخيرة أشار أستاذ العلوم السياسية هاني البسوس إلى أن الحزب قد استخلص دروسا من حرب 2006 ومن المواجهات الأخيرة مع إسرائيل.

ويعتبر البسوس أن نعيم قاسم قد اتخذ خطوة براغماتية من خلال التصريح بأن الحزب سيتعاون مع الحكومة اللبنانية للتفاوض مع الأطراف الدولية مما يعكس تحولا في استراتيجية الحزب التي كانت تعتمد سابقا على المواجهات العسكرية.

تبدو البراغماتية التي يتبناها الحزب ضرورية في ظل الظروف السياسية الحالية يسعى حزب الله إلى الحفاظ على دوره السياسي في لبنان دون الانزلاق إلى مواجهات عسكرية مكلفة قد تعيد البلاد إلى دوامة الحرب الأهلية أو تجعل الوضع اللبناني أكثر هشاشة أمام التدخلات الخارجية.

بين خيارات المقاومة والتحديات المستقبلية

في ظل التغيرات الإقليمية والدولية يواجه حزب الله تحديات استراتيجية كبيرة فهو يتأرجح بين خيار الاستمرار في نهج المقاومة المسلحة وبين السعي نحو الانخراط في العمل السياسي ضمن إطار الدولة اللبنانية.

ومع استمرار الضغوط الدولية والمحلية التي تفرض واقعا مختلفا يبقى السؤال مطروحا: هل سيتمكن حزب الله من التكيف مع هذا الواقع الجديد أم أن التحولات السياسية ستفتح بابا لمرحلة جديدة من الصراع؟