بعد عودة طالبان للسلطة.. تراجع الاقتصاد وغياب الأمن وتدهور أوضاع النساء في أفغانستان
أحيت حركة طالبان الأفغانية الذكرى الثالثة لعودتها إلى الحكم في منتصف أغسطس/آب 2021، وهو التاريخ الذي يتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، مما خلف فوضى كبيرة. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحركة لتعزيز الأمن، إلا أنها لا تزال تواجه تهديدات من تنظيم “الدولة الإسلامية”. كما أن وضع النساء لا يزال مأساوياً ويشهد تدهوراً مستمراً.
لا يزال الجميع يتذكرون صور الطائرات العسكرية الأمريكية وهي تقلع من مطار كابول في 15 أغسطس 2021، محملة بجنود أمريكيين ودبلوماسيين غربيين، بينما كان بعض الشباب الأفغان يتشبثون بأجنحتها في محاولة للهروب من البلاد بعد عودة حركة طالبان إلى الحكم.
تظل هذه المشاهد محفورة في ذاكرة الناس، رغم مرور ثلاث سنوات على استيلاء الحركة على السلطة في بلد غني بالموارد الطبيعية، لكنه يعد من بين أفقر الدول في العالم.
تدهور الاقتصاد
في السياق الاقتصادي، ورغم التحسن الملحوظ في النشاط الاقتصادي وسهولة تنقل التجار والبضائع بشكل آمن من كابول إلى هرات غربًا أو إلى مزار الشريف شرقًا ومناطق أخرى في البلاد، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي شهد انخفاضًا كبيرًا في عامي 2021 و2022، حيث قدرت نسبة التراجع بنحو 26% وفقًا لتقارير البنك الدولي.
أشارت هذه المؤسسة المالية إلى احتمال تراجع نسبة النمو إلى مستوى الصفر خلال السنوات الثلاث القادمة، بالإضافة إلى انخفاض العائدات المالية لكل فرد. ويعود ذلك إلى الضغط الديمغرافي الناتج عن الزيادة السكانية في أفغانستان، التي تتجاوز 45 مليون نسمة، فضلاً عن غياب الاستثمارات الخارجية بشكل شبه كامل.
على الرغم من أن أفغانستان تمتلك ثروات معدنية ضخمة، إلا أن البطالة تؤثر على ثلث سكان البلاد، وفقًا لتقارير البنك الدولي.
على الرغم من جهود طالبان المستمرة لتحسين الوضع الاقتصادي، إلا أن نقص المساعدات الإنسانية وتراجع الدعم الإنمائي الذي كانت تقدمه بعض المنظمات الإنسانية والدول الغربية قبل عودة طالبان إلى السلطة في عام 2021، قد حال دون تحقيق تقدم ملموس في تحسين ظروف معيشة المواطنين. باستثناء بعض الدول مثل قطر والصين وإيران وباكستان التي تقدم الدعم المالي أو تمول بعض البرامج الإنمائية، فإن معظم المصادر الدولية التي كانت تقدم مساعدات مالية لأفغانستان قد جفت تقريبًا.
لقد ساهم عدم اعتراف المجتمع الدولي بهذه الحركة في تفاقم الوضع الاقتصادي. وفي هذا السياق، صرح سليمان بن شاه، نائب وزير التجارة في الحكومة السابقة، لوكالة الأنباء الفرنسية بأن “أهم الأولويات لأفغانستان في الوقت الراهن هي البحث عن شركاء استراتيجيين”.
تدهور أوضاع النساء
على صعيد الحريات والحقوق، لم يتغير وضع النساء في أفغانستان، بل تدهور بشكل أكبر مع عودة طالبان إلى الحكم. وفقًا لتقرير نشرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” في 12 أغسطس/آب الجاري، فإن حكومة طالبان تواجه اتهامات “بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد النساء والمعارضين لها”.
وأشار التقرير إلى أن “حركة طالبان تسببت في أخطر أزمة لحقوق المرأة على مستوى العالم منذ استيلائها على السلطة في أفغانستان في 15 أغسطس/آب 2021”. وأضافت: “أفغانستان هي الدولة الوحيدة التي تمنع الفتيات من التعليم بعد الصف السادس”.
انتهكت طالبان حق المرأة في حرية التنقل، ومنعتهن من العديد من فرص العمل، مما أدى إلى تفكيك الحماية المخصصة للنساء والفتيات اللواتي يتعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
كما اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” طالبان بخلق عقبات أمام وصول النساء إلى الرعاية الصحية، ومنعهن من ممارسة الرياضة وزيارة المنتزهات.
من جانبه، وصف المقرر الخاص للأمم المتحدة في أفغانستان، ريتشارد بينيت، النظام الأفغاني بأنه قائم على التمييز والعزل، ويفتقر إلى احترام كرامة الإنسان، ويستبعد النساء والفتيات.
وفي هذا السياق، أضافت فرشته عباسي، المتخصصة في شؤون أفغانستان في منظمة “هيومن رايتس ووتش”: “تعيش النساء في ظل حكم طالبان، الذي يتسم بالانتهاكات، أسوأ كوابيسهن”، داعية جميع الحكومات إلى محاسبة قيادة طالبان وكل من يتحمل المسؤولية عن الجرائم الخطيرة في أفغانستان.
منذ بداية عام 2024، تقوم طالبان باحتجاز النساء والفتيات في كابول ومناطق أخرى بسبب ما تسميه “الحجاب السيء”، أي عدم الالتزام بقواعد اللباس. وفي هذا السياق، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن حوالي 23 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مشيرًا إلى أن النساء والفتيات من بين الأكثر تضررًا.
تنظيم “الدولة الإسلامية” يشكل تهديدًا مستمرًا لأفغانستان
على الصعيد الأمني، ورغم التحسن الملحوظ في البلاد الذي أتاح إمكانية التنقل والسفر بين ولايات أفغانستان بأمان، إلا أن التهديدات الإرهابية، خاصة من تنظيم “الدولة الإسلامية”، لا تزال قائمة وتشكل تحديًا كبيرًا لطالبان.
ففي مايو/أيار 2024، على سبيل المثال، قام التنظيم بقتل ستة أشخاص، بينهم ثلاثة سياح إسبان وثلاثة من مرافقيهم الأفغان، في مدينة بميان وسط أفغانستان. وقد برر التنظيم هذا الهجوم بأنه استهدف “مواطنين من الدول التي شاركت في التحالف الذي قادته أمريكا في أفغانستان”.
كتبت أميرة جدون، الأستاذة المساعدة في قسم العلوم السياسية بجامعة كليمسون في الولايات المتحدة، على موقع “معهد واشنطن لقضايا الشرق الأوسط” أن “تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” قد غيّر أولوياته في الاستهداف والتكتيكات والتركيز الجغرافي في أفغانستان منذ أن استولت طالبان على البلاد في عام 2021.
وأشارت إلى أنه “رغم الجهود التي بذلتها طالبان لتعزيز الأمن في جميع أنحاء البلاد، إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية ظل نشطًا، مستمرًا في أعمال العنف واستهداف المؤسسات الحكومية والمدنية، مما يهدد الأمن الدولي ويعمل على تجنيد الأفراد في المنطقة”.
وعلى الرغم من عودة حوالي 665 ألف أفغاني من باكستان إلى وطنهم، وفقًا لتقرير “هيومن رايتس ووتش”، لا يزال العديد من اللاجئين الأفغان يعيشون في ظروف غامضة في إيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة، دون معرفة مستقبلهم في المنفى طالما أن طالبان لا تزال في السلطة.
واختتمت “هيومن رايتس ووتش” تقريرها بالتأكيد على أن “الذكرى الثالثة لاستيلاء طالبان على الحكم تمثل تذكيرًا مؤلمًا بالأزمة الحقوقية في أفغانستان”، داعية المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف صارم تجاه قيادة طالبان، والتأكيد على أن انتهاكات حقوق النساء والفتيات تمثل خرقًا للقانون الدولي. فهل ستأخذ الحركة هذه الدعوة على محمل الجد؟